فصل: القصة الأولى: قصة موسى عليه السلام:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم



.من أقوال المفسرين:

.قال الفخر:

{وَلَقَدْ آتَيْنَا مُوسَى الْكِتَابَ وَجَعَلْنَا مَعَهُ أَخَاهُ هَارُونَ وَزِيرًا (35)}.

.القصة الأولى: قصة موسى عليه السلام:

اعلم أنه تعالى لما قال: {وَكَذَلِكَ جَعَلْنَا لِكُلّ نِبِىّ عَدُوًّا} [الفرقان: 31] أتبعه بذكر جماعة من الأنبياء وعرفه بما نزل بمن كذب من أممهم فقال: {وَلَقَدْ ءاتَيْنَا مُوسَى الكتاب وَجَعَلْنَا مَعَهُ أَخَاهُ هارون وَزِيرًا} والمعنى: لست يا محمد بأول من أرسلناه فكُذِّب، وآتيناه الآيات فرد، فقد آتينا موسى التوراة وقوينا عضده بأخيه هرون ومع ذلك فقد رد، وفيه مسائل:
المسألة الأولى:
كونه وزيرًا لا يمنع من كونه شريكًا له في النبوة، فلا وجه لقول من قال في قوله: {فَقُلْنَا اذهبا} إنه خطاب لموسى عليه السلام وحده بل يجري مجرى قوله: {اذهبا إلى فِرْعَوْنَ إِنَّهُ طغى} [طه: 43] فإن قيل إن كونه وزيرًا كالمنافي لكونه شريكًا بل يجب أن يقال إنه لما صار شريكًا خرج عن كونه وزيرًا، قلنا لا منافاة بين الصفتين لأنه لا يمتنع أن يشركه في النبوة ويكون وزيرًا وظهيرًا ومعينًا له.
المسألة الثانية:
قال الزجاج الوزير في اللغة الذي يرجع إليه ويتحصن برأيه والوزر ما يعتصم به ومنه {كَلاَّ لاَ وَزَرَ} [القيامة: 11] أي لا منجى ولا ملجأ، قال القاضي: ولذلك لا يوصف تعالى بأن له وزيرًا ولا يقال فيه أيضًا بأنه وزير لأن الالتجاء إليه في المشاورة والرأي على هذا الحد لا يصح.
المسألة الثالثة:
{دمرناهم} أهلكناهم إهلاكًا فإن قيل: الفاء للتعقيب والإهلاك لم يحصل عقيب ذهاب موسى وهرون إليهم بل بعد مدة مديدة، قلنا: التعقيب محمول هاهنا على الحكم لا على الوقوع، وقيل: إنه تعالى أراد اختصار القصة فذكر حاشيتيها أولها وآخرها لأنهما المقصود من القصة بطولها أعني إلزام الحجة ببعثة الرسل واستحقاق التدمير بتكذيبهم.
المسألة الرابعة:
قوله تعالى: {اذهبا إِلَى القوم الذين كَذَّبُواْ بئاياتنا} إن حملنا تكذيب الآيات على تكذيب آيات الإلهية فلا إشكال، وإن حملناه على تكذيب آيات النبوة فاللفظ، وإن كان للماضي إلا أن المراد هو المستقبل.
{وَقَوْمَ نُوحٍ لَمَّا كَذَّبُوا الرُّسُلَ أَغْرَقْنَاهُمْ وَجَعَلْنَاهُمْ لِلنَّاسِ آيَةً وَأَعْتَدْنَا لِلظَّالِمِينَ عَذَابًا أَلِيمًا (37)}.

.القصة الثانية قصة نوح عليه السلام:

اعلم أنه تعالى إنما قال: {كَذَّبُواْ الرسل} إما لأنهم كانوا من البراهمة المنكرين لكل الرسل أو لأنه كان تكذيبهم لواحد منهم تكذيبًا للجميع، لأن تكذيب الواحد منهم لا يمكن إلا بالقدح في المعجز، وذلك يقتضي تكذيب الكل، أو لأن المراد بالرسل وإن كان نوحًا عليه السلام وحده ولكنه كما يقال فلان يركب الأفراس.
أما قوله: {أغرقناهم} فقال الكلبي: أمطر الله عليهم السماء أربعين يومًا وأخرج ماء الأرض أيضًا في تلك الأربعين فصارت الأرض بحرًا واحدًا {وجعلناهم} أي وجعلنا إغراقهم أو قصتهم آية، {وَأَعْتَدْنَا للظالمين} أي لكل من سلك سبيلهم في تكذيب الرسل عذابًا أليمًا، ويحتمل أن يكون المراد قوم نوح.
{وَعَادًا وَثَمُودَ وَأَصْحَابَ الرَّسِّ وَقُرُونًا بَيْنَ ذَلِكَ كَثِيرًا (38) وَكُلًّا ضَرَبْنَا لَهُ الْأَمْثَالَ وَكُلًّا تَبَّرْنَا تَتْبِيرًا (39)}.

.القصة الثالثة قصة عاد وثمود وأصحاب الرس:

المسألة الأولى:
عطف {عَادًا} على هم في {وجعلناهم} أو على الظالمين لأن المعنى ووعدنا الظالمين.
المسألة الثانية:
قرىء و{ثَمُودُ} على تأويل القبيلة، وأما على المنصرف فعلى تأويل الحي أو لأنه اسم للأب الأكبر.
المسألة الثالثة:
قال أبو عبيدة الرس هو البئر غير المطوية، قال أبو مسلم: في البلاد موضع يقال له الرس فجائز أن يكون ذلك الوادي سكنًا لهم، والرس عند العرب الدفن، ويسمى به الحفر يقال رس الميت إذا دفن وغيب في الحفرة، وفي التفسير أنه البئر، وأي شيء كان فقد أخبر الله تعالى عن أهل الرس بالهلاك انتهى.
المسألة الرابعة:
ذكر المفسرون في أصحاب الرس وجوهًا: أحدها: كانوا قومًا من عبدة الأصنام أصحاب آبار ومواش، فبعث الله تعالى إليهم شعيبًا عليه السلام فدعاهم إلى الإسلام فتمادوا في طغيانهم وفي إيذائه فبينما هم حول الرس خسف الله بهم وبدارهم وثانيها: الرس قرية بفلج اليمامة قتلوا نبيهم فهلكوا وهم بقية ثمود وثالثها: أصحاب النبي حنظلة بن صفوان كانوا مبتلين بالعنقاء، وهي أعظم ما يكون من الطير سميت بذلك لطول عنقها وكانت تسكن جبلهم الذي يقال له فتح وهي تنقض على صبيانهم فتخطفهم إن أعوزها الصيد فدعا عليها حنظلة فأصابتها الصاعقة، ثم إنهم قتلوا حنظلة فأهلكوا ورابعها: هم أصحاب الأخدود، والرس هو الأخدود وخامسها: الرس أنطاكية قتلوا فيها حبيبًا النجار، وقيل كذبوه ورسوه في بئر أي دسوه فيها وسادسها: عن علي عليه السلام أنهم كانوا قومًا يعبدون شجرة الصنوبر وإنما سموا بأصحاب الرس لأنهم رسوا نبيهم في الأرض وسابعها: أصحاب الرس قوم كانت لهم قرى على شاطىء نهر يقال له الرس من بلاد المشرق فبعث الله تعالى إليهم نبيًا من ولد يهودا بن يعقوب فكذبوه فلبث فيهم زمنًا فشكى إلى الله تعالى منهم فحفروا بئرًا ورسوه فيها وقالوا نرجو أن يرضى عنا إلهنا وكانوا عامة يومهم يسمعون أنين نبيهم يقول: إلهي وسيدي ترى ضيق مكاني وشدة كربي وضعف قلبي وقلة حيلتي فعجل قبض روحي حتى مات، فأرسل الله تعالى ريحًا عاصفة شديدة الحمرة فصارت الأرض من تحتهم حجر كبريت متوقد وأظلتهم سحابة سوداء فذابت أبدانهم كما يذوب الرصاص وثامنها: روى ابن جرير عن الرسول صلى الله عليه وسلم «أن الله بعث نبيًا إلى أهل قرية فلم يؤمن به من أهلها أحد إلا عبد أسود ثم عدوا على الرسول فحفروا له بئرًا فألقوه فيها، ثم أطبقوا عليه حجرًا ضخمًا، وكان ذلك العبد يحتطب فيشتري له طعامًا وشرابًا ويرفع الصخرة ويدليه إليه فكان ذلك ما شاء الله فاحتطب يومًا فلما أراد أن يحملها وجد نومًا فاضطجع فضرب الله على أذنه سبع سنين نائمًا، ثم انتبه وتمطى وتحول لشقه الآخر فنام سبع سنين أخرى، ثم هب فحمل حزمته فظن أنه نام ساعة من نهار فجاء إلى القرية فباع حزمته واشترى طعامًا وشرابًا وذهب إلى الحفرة فلم يجد أحدًا، وكان قومه قد استخرجوه وآمنوا به وصدقوه، وكان ذلك النبي يسألهم عن الأسود، فيقولون لا ندري حاله حتى قبض الله النبي وقبض ذلك الأسود» فقال عليه السلام: «إن ذلك الأسود لأول من يدخل الجنة» واعلم أن القول ما قاله أبو مسلم وهو أن شيئًا من هذه الروايات غير معلوم بالقرآن، ولا بخبر قوي الإسناد، ولكنهم كيف كانوا فقد أخبر الله تعالى عنهم أنهم أهلكوا بسبب كفرهم.
المسألة الخامسة:
قال النخعي: القرن أربعون سنة، وقال علي عليه السلام: بل سبعون سنة، وقيل مائة وعشرون.
المسألة السادسة:
قوله بين ذلك أي {بَيْنَ ذلك} المذكور وقد يذكر الذاكر أشياء مختلفة ثم يشير إليها بذلك ويحسب الحاسب أعدادًا متكاثرة، ثم يقول فذلك كيت وكيت على معنى فذلك المحسوب أو المعدود.
أما قوله: {وَكُلًا ضَرَبْنَا لَهُ الأمثال} فالمراد بينا لهم وأزحنا عللهم فلما كذبوا تبرناهم تتبيرًا ويحتمل {وَكُلًا ضَرَبْنَا لَهُ الأمثال} بأن أجبناهم عما أوردوه من الشبه في تكذيب الرسل كما أورده قومك يا محمد، فلما لم ينجع فيه تبرناهم تتبيرًا، فحذر تعالى بذلك قوم محمد صلى الله عليه وسلم في الاستمرار على تكذيبه لئلا ينزل بهم مثل الذي نزل بالقوم عاجلًا وآجلًا.
المسألة السابعة:
كلًا الأول منصوب بما دل عليه {ضَرَبْنَا لَهُ الأمثال} وهو أنذرنا أو حذرنا، والثاني بتبرنا لأنه فارغ له.
المسألة الثامنة:
التتبير التفتيت والتكسير، ومنه التبر وهو كسارة الذهب والفضة والزجاج.
{وَلَقَدْ أَتَوْا عَلَى الْقَرْيَةِ الَّتِي أُمْطِرَتْ مَطَرَ السَّوْءِ أَفَلَمْ يَكُونُوا يَرَوْنَهَا بَلْ كَانُوا لَا يَرْجُونَ نُشُورًا (40)}.

.القصة الرابعة قصة لوط عليه السلام:

واعلم أنه تعالى أراد بالقرية سدوم من قرى قوم لوط عليه السلام وكانت خمسًا أهلك الله تعالى أربعًا بأهلها وبقيت واحدة، و{مطر السوء} الحجارة يعني أن قريشًا مروا مرارًا كثيرة في متاجرهم إلى الشأم على تلك القرية التي أهلكت بالحجارة من السماء، {أَفَلَمْ يَكُونُواْ} في مرار مرورهم ينظرون إلى آثار عذاب الله تعالى ونكاله ويذَّكرون {بَلْ كَانُواْ} قومًا كفرة {لاَ يَرْجُونَ نُشُورًا} وذكروا في تفسير {يَرْجُونَ} وجوها: أحدها: وهو الذي قاله القاضي وهو الأقوى أنه محمول على حقيقة الرجاء لأن الإنسان لا يتحمل متاعب التكاليف ومشاق النظر والاستدلال إلا لرجاء ثواب الآخرة فإذا لم يؤمن بالآخرة لم يرج ثوابها فلا يتحمل تلك المشاق والمتاعب وثانيها: معناه لا يتوقعون نشورًا وعاقبة، فوضع الرجاء موضع التوقع لأنه إنما يتوقع العاقبة من يؤمن، وثالثها: معناه لا يخافون على اللغة التهامية، وهو ضعيف والأول هو الحق. اهـ.

.قال الماوردي:

قوله تعالى: {وَأَصْحَابَ الرَّسِّ}.
فيه أربعة أقاويل:
أحدها: أن الرس المعدن، قاله أبو عبيدة. الثاني: أنه قرية من قرى اليمامة يقال له الفج من ثمود، قاله قتادة.
الثالث: أنه ما بين نجران واليمن إلى حضرموت، قاله بعض المفسرين.
الرابع: أنه البئر.
وفيها ثلاثة أقاويل:
أحدها: أنه بئر بأذربيجان، قاله ابن عباس.
الثاني: أنها البئر التي قتل فيها صاحب ياسين بأنطاكية الشام حكاه النقاش.
الثالث: أن كل بئر إذا حفرت ولم تطو فهي رس قال زهير:
بكرن بكورًا واستحرن بسحرة ** فهن ووادي الرس كاليد في الفم

وفي أصحاب الرس أربعة أقاويل:
أحدها: أنهم قوم شعيب، حكاه بعض المفسرين.
الثاني: أنهم قوم رسوا نبيهم في بئر، قاله عكرمة.
الثالث: أنهم قوم كانوا نزولًا على بئر يعبدون الأوثان، وكانوا لا يظفرون بأحد يخالف دينهم إلا قتلوه ورسوه فيها، وكان الرس بالشام، قاله الضحاك.
الرابع: أنهم قوم أرسل الله إليهم نبيًا فأكلوه وهم أول من عمل نساؤهم السحر، قاله الكلبي.
قوله تعالى: {وَلَقَدْ أَتَوْاْ عَلَى الْقَرْيَةِ} وهي سدوم قرية لوط.
{الَّتِي أُمْطِرَتْ مَطَرَ السَّوْءٍ} الحجارة التي أُمطِرُوا بها، والذين أتوا عليها قريش.
{أَفَلَمْ يَكُونُواْ يَرَوْنَهَا} أي يعتبرون بها.
{بَلْ كَانُواْ لاَ يَرْجُونَ نَشُورًا} أي لا يخافون بعثًا. اهـ.

.قال ابن عطية:

{وَلَقَدْ آتَيْنَا مُوسَى الْكِتَابَ وَجَعَلْنَا مَعَهُ أَخَاهُ هَارُونَ وَزِيرًا (35)}.
هذه الآية التي ذكر فيها الأمم هي تمثيل لهم وتوعد أن يحل بهم ما حل بهؤلاء المعذبين، و{الكتاب} التوراة، والوزير المعين، وهو من تحمل الوزر أي ثقل الحال أو من الوزر الذي هو ملجأ، و{القوم الذين كذبوا} هم فرعون وملؤه من القبط، ثم حذف من الكلام كثير دل عليه ما بقي، وتقدير المحذوف فأديا الرسالة فكذبوهما فدمرناهم. وقرأ علي بن أبي طالب ومسلمة بن محارب: {فدمرانهم} أي كونا سبب ذلك، قال أبو الفتح ألحق نون التوكيد ألف التثنية كما تقول اضربان زيدًا.